ولدت المصرية إنشراح علي موسى عام 1937 لأسرة متوسطة الحال، تعلمت حتى حصلت على الشهادة الإعدادية عام 1951، وبعد نجاحها أراد والدها مكافأتها فاصطحبها إلى القاهرة لحضور حفل عرس أحد أقاربه، لتلتقي بإبراهيم سعيد شاهين ابن العريش المولود عام 1929، وبعد الحفل بأيام قليلة فوجئت به يطرق باب بيتها في المنيا برفقته والده.
كان إبراهيم شاهين يعمل كاتب حسابات بمكتب مديرية العمل بالعريش، بدأ سلكه الوظيفي مغمورًا يتعجل زيادة دخله بوسائل مشروعة وغير مشروعة إلى أن وقع في جريمة رشوة لطخت سمعته وحبس ثلاثة أشهر.
في عام 1967 احتل الإسرائيليون المدينة، وقاموا بإلقاء القبض على شاهين الذي لم يتورع عن التواصل مع العسكريين الإسرائيليين والتواصل معهم من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب، ومن هنا تبدأ القصة، حيث فكر الإسرائيليون في كيفية تجنيد شاهين للعمل جاسوسًا لإسرائيل في قلب القاهرة، حيث تمت إعادته إلى القاهرة بعد طرده مع عشرات المصريين من العريش لعدم رغبتهم في الحياة بها وسط الاحتلال.
وتم تدريبه في الموساد على كيفية إرسال الرسائل الاستخباراتية السرية من قلب القاهرة إلى تل أبيب، ومع الوقت أتقن شاهين العمل واستطاع التمييز بين الأسلحة والمعدات العسكرية المختلفة، وكان ينقلها أولا بأول إلى إسرائيل.
وبمرور الوقت تعاظم دور العميل، وقرر التوسع في الخيانة ومن ثم التوسع في النشاط، ولم يجد أكثر من زوجته انشراح التي تعاونت معه في التجسس لصالح إسرائيل، وكانت تنظم حفلات بصورة دورية للمجندين في الجيش من أصدقاء أبناءها الثلاثة الأطفال في المدرسة، وتحول الصبية الثلاثة إلى رادارات بشرية تتجسس على الوطن وتحرص على مصادقة أبناء الضباط لمعرفة مواعيد عمل الآباء ومواقع عملهم، والأهم من هذا الاستعدادات العسكرية التي تتخذها مصر على الجبهة.
ونجح الصبية الصغار في الحصول على مواعيد حضور الفريق عبد المنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المصرية إلى الجبهة، وبالفعل تم إرسال مواعيد حضوره إلى إسرائيل التي لم تفوت الفرصة واغتالته، وحرصت المخابرات الإسرائيلية على مد شاهين زوجته بأفضل الدورات التدريبية المؤهلة للتوسع في النشاط الاستخباراتي التجسسي، وبالفعل تواصل الخيانة وضمت العائلة.
واكتشف رجال المخابرات المصرية أمر شاهين سريعًا، حيث لاحظوا ترددهم كثيرا على إيطاليا واليونان واختفائهم هناك، حيث كانت هذه الدول بمثابة الرابط الذي يتوجهون بعده إلى إسرائيل، وبالفعل وقع الزوجان في الفخ، وكان قرار المخابرات المصرية هو استمرار العملية وعدم الإيقاع بالزوجين.
وتم السيطرة على شاهين وعلى كافة تحركاته والاتصالات التي يقوم بها، وفي أكتوبر عام 1973 كان النصر حليف المصريين ورأت القيادة الأمنية المصرية ضرورة استمرار العملية لعودة الحرب الأمنية بين القاهرة وتل أبيب من جديد.
ومع بداية عام 1974، سافر شاهين إلى تركيا ومنها إلى اليونان ثم إلى إسرائيل، وهناك حضر اجتماعا سريًا مع أحد أبرز قادة الموساد الجدد ممن تم تعيينهم بعد أن حرب أكتوبر.
وتم الاتفاق في هذا الاجتماع على منح إبراهيم جهاز إرسال جديد، بعد أن صرح لهم شاهين إنه شعر بأن هناك أمورا مريبة تتم في مصر، إلا أنه لم يمتلك الإمكانيات المادية أو التقنية اللازمة من أجل إرسال الرسائل السريعة إليهم، وبالفعل عاد شاهين إلى مصر ومعه جهاز الإرسال الجديد، إلا أن الجهاز حدث به عطل، ولا يمكن إصلاحه إلا بالذهاب إلى إسرائيل والاتيان بمكون جديد يتم وضعه في جهاز الإرسال.
هذه المرة سافرت إنشراح للإتيان به، وفور عودتها إلى القاهرة كان القرار بالقبض عليها وعلى زوجها وأولادها بتهمة التجسس والتخابر، وكانت هذه المرة الأولى التي توجه فيها المخابرات المصرية صفعة إلى جهاز الموساد بطاقمه الجديد.
وعند القبض عليهم قرر السادات الإسراع في تنفيذ الحكم الصادر بإعدام شاهين الذي طالبت إسرائيل مرار بتسليمه إليها، وتم الإفراج عن إنشراح بعد الحبس لمدة 3سنوات وأولادها، حيث هرب الأبناء إلى إسرائيل عبر صحراء سيناء، بينما تم تسليم إنشراح رسميا إلى إسرائيل مقابل الحصول على الجنود الآسرى.
وفي إسرائيل تهودت انشراح وأبناؤها الثلاثة، وسافر أحد الأبناء إلى البرازيل مع زوجته الإسرائيلية، بينما يعيش اثنان مع انشراح في إسرائيل بأسماء يهودية، وافتتحوا مطعما للأسماك هناك.
ويحرص القادة والزعماء الإسرائيلون على الاجتماع دوريا بعادل شاهين الذي تهود على يد الحاخام عوفاديا يوسف وحول اسمه إلى رافي بن دافيد، زاعما أنه قام بهذا الأمر خوفا من ملاحقة كوابيس الماضي له.
ويقول بن دافيد (ابنها) إن والده كان جاسوسًا على مصر، وبالتالي فالتساؤل الآن ما الذي يدفعه إلى دفع ثمن هذه الخيانة؟، مشيرا إلى أنه يحلم بالعودة إلى مصر من جديد، إلا أن الأمن يمنعه من هذا الأمر تماما، ويزعم بن دافيد أنه حاول بالفعل الدخول إلى مصر منذ ما يقرب من عقد، وسافر بالأتوبيس إلى سيناء، وفي العريش تم اكتشاف أمره وإلقاء القبض عليه وترحيله إلى مقر المخابرات، ونصحه رجال المخابرات بعدم العودة إلى مصر من جديد، وسافر إلى إسرائيل.
و قصة رافي بن دافيد تم تجسيدها في مسلسل السقوط في بئر سبع، الذي أنتج عام 1994، ويتحدث عن نكسة 1967 وحرب أكتوبر 1973 وعن الجاسوسية والمخابرات المصرية نقلًا عن رواية إبراهيم وانشراح للكاتب عبدالرحمن فهمي.