حاصرتها الضرائب بشدة وطالبتها بمبالغ خيالية كانت ستتسبب في إعلان إفلاسها، لذلك قررت الراقصة اللبنانية بديعة مصابني الهروب من مصر عام 1949، ووضعت لذلك خطة شديدة الذكاء.
بديعة، بحسب ما رواه محمود فهمي إبراهيم أحد كُتّاب ومؤلفي مسرحها، أتت ذات يوم في الكازينو الخاص بها بالأوبرا ومعها تلميذتها الراقصة ببا عزالدين، وجلس الثلاثة معًا على طاولة واحدة، وكانت الأولى تحمل بين يديها حقيبة صغيرة حريصة عليها أشد الحرص.
واصطحبت الراقصة اللبنانية معها الكلب المفضل لديها، وفجأة طلبت منه الجلوس تحت الطاولة، ثم استأذنت وخرجت متسللة خشية أن يتبعها كلبها، وجلس فهمي وببا في انتظارها، لكن الانتظار طال ثم عرفوا في اليوم التالي أنها كانت تطير في الجو في طريقها إلى لبنان دون أن تخبر أحدًا.
واستكمل محمود فهمي إبراهيم قائلًا: «كانت بديعة وهي معنا تنتظر شارة من صديقها الذي قام بتهريبها من مصر، وكانت كل أموالها في الحقيبة التي كانت حريصة عليها».
يُذكر أن صديقها كان إنجليزي الجنسية، واصطحبها على طائرة خاصة متخفية في زى ضابط إنجليزي، كما أن هناك رواية أخرى تذكر أنها هربت بزي راهبة من مطار روض الفرج السابق.
وبعد عودتها إلى موطنها الأصلي اعتزلت بديعة الفن نهائيًا وافتتحت محل للألبان والجُبن في مدينة شتورة وظلت تديره لأكثر من 24 عامًا حتى وفاتها.
أما ببا عزالدين فقد وقد حلّت مكانها في كازينو الأوبرا وأصبحت هي مالكة هذا المكان، واستقدمت العديد من المطربين والمطربات ومعها شقيقتاها شوشو وعديلة عزالدين، وقد احترفت الأولى الرقص ولكنها لم تحظى بنفس شهرة شقيقتها، أما عديلة فقد اكتفت بأن تكون من طاقم الإدارة في الكازينو.
وعن أبرز المحطات في حياتها الفنية، تحدثت “بديعة مصابني” في عام 1966، في برنامج بعنوان “نجوم على الأرض” للإعلامية الشهيرة في ذلك الوقت ليلى رستم.
ورغم التقدم في العمر ظهرت “بديعة” بإطلالة رائعة وتحدثت عن محطات مهمة في حياتها بثقة كبيرة.
وكشفت مصابني فى هذه المقابلة التليفزيونية عن عمرها قائلة: “أبلغ من العمر 75 عاماً، والدي من بيروت، وأمي سورية وتسمى “جميلة الشاغوري، وكنت الشقيقة الصغرى بين 7 أشقاء 4 أولاد و3 بنات، وقد رحلوا جميعاً عن الحياة”.
وتحدثت الفنانة السورية عن اللغات التي تجيدها قائلة: “أجيد اللغة الإسبانية قراءة وكتابة والتركية والفرنسية والإنجليزية تعلمتها في مصر التي زرتها أول مرة عام 1912”.
وعن دخولها مجال الفن قالت: “دخلت الفن بالصدفة عندما شاهدني رجل يدعى فؤاد سليم، أمارس الرياضة وعندما سمعني أتحدث، أعجب بطريقة حديثي، وأقنعني بدخول مجال التمثيل، بالفعل أخذني إلى جورج أبيض في دار التمثيل العربي بحديقة الأزبكية، وعلى يد جورج أبيض تعلمت التمثيل واللغة العربية الدقيقة خلال 3 شهور فقط”.
وتابعت بديعة مصابني فى حوارها: “هربت من أمي وعمري 12 عاماً، كى أستمر في عالم التمثيل والرقص، كنت جريئة لحد كبير، أنا أول سيدة عربية تقص شعرها وأول امرأة قادت سيارة وركبت الطائرة”، على حد قولها.
وعن حياتها مع الفنان نجيب الريحاني وانفصالها عنه لسبب اعتبره البعض غريباً، قالت: “تزوجت من نجيب الريحاني وقدمت معه عدداً كبيراً من العروض المسرحية الناجحة، وسافرت معه أمريكا الجنوبية، وعملت معه هناك لمدة عام حققنا خلاله نجاحاً كبيراً، لكن انفصلت عنه بسبب النوم، إذ كان يسهر كثيراً مع صديقه بديع خيري وينام طوال النهار”.
وتابعت: “كنت لا أجده عندما أفكر في الخروج أو عمل أي شيء، وبسبب هذا الأمر دب الخلاف بيننا وحدث الانفصال، لكن يجب الاعتراف بأنه كان فناناً عظيماً”.
وعن أبرز الراقصات اللاتي تعلمن على يدها قالت في حوارها “تحية كاريوكا وسامية جمال، تعلمن على يدي ويمتلكن الموهبة الكبيرة”.
يذكر أن الفنانة بديعة مصابنى ولدت في 25 فبراير عام 1892، وظلت أهم فنانة في المسرح الاستعراضي لمدة 30 عاماً.
ورحلت بديعة عن الحياة في 23 يوليو عام 1974 فى مدينة زحلة اللبنانية عن عمر ناهز الـ82 عاماً.