“توفي أثناء التصوير وهو يقرأ القرآن”.. متولي علوان الممثل الذي غسل وكفّن وصلى عليه مرتين ولم يحضر جنازته أحد
صاحب صوت غليظ وجسم ضخم، تفتقد ملامحه علامات الوسامة، ورغم ظهوره في مساحات ضيقة من الأعمال الفنية التي يُشارك فيها، لكنه نجح في لفت أنظار الجمهور له، وصارت بعض الجُمل التي نطقها في أفلامه، عالقة في أذهان الأجيال المُتعاقبة، ليُصبح الفنان متولي علوان واحدًا من “نجوم الإفيهات”.
مشهد ظل ذاكرًا في ذاكرة المصريين مرتبطًا باحتفالات رأس السنة.. “هابي نيو يير.. ممكن تقول لنا رأس السنة بتمثل لك إيه؟.. حسبي الله ونعم الوكيل”، حديث قصير دائر بين الفنان محمد هنيدي وحنان ترك، وبين متولي علوان، ضمن مشاهد فيلم “جاءنا البيان التالي”، لكنه لازال يُحقق أصداءً واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وصار مادة خصبة لصُنّاع الـ”كوميكس” ومُحبي الكوميديا، خاصة في ليلة رأس السنة من كل عام.
إيهاب متولي، نجل الفنان الراحل متولي علوان، كشف كواليس هذا المشهد، لاسيما وأنه كان متواجدًا خلف الكاميرات، حيث وصف الأجواء آنذاك، بقوله: “اللوكيشن وقع من كتر الضحك”.
وقال “متولي”، إن هذا المشهد تم تصويره داخل “ستديو مصر”، على مرتين، أحدهما عندما روى حكايته التي دفعت به خلف القضبان، والأخرى عندما حصل على رشوة لتغيير شهادته، قائلًا: “فريق العمل أشاد بهذا المشهد في وقتها، لاسيما أبطال الفيلم محمد هنيدي وحنان ترك”.
وأشار إلى أن والده لم يحصل على أي جائزة أو تكريم طوال حياته: “أنا مبسوط أنه ما أخدش.. مش مهم جوائز الدنيا، الأهم جوائز الآخرة ورضا ربنا في حسن خاتمته”، لافتًا إلى أن والده لم يكن مهتمًا بمثل هذه التكريمات، فقد كان مُحبًا لعمله وشغوفًا به طوال الوقت.
وأوضح أن والده كان لديه طقوس خاصة، بشأن التحضير للشخصية التي يُجسدها، حيث كان يُفضل الجلوس في مكتبه بمفرده، وسط هدوء تام، حتى لا يُشتت تركيزه، ويستطيع مذاكرة الدور بسهولة، ثم يطلبني كي يُجسد الشخصية أمامي وأن أراجع له، وأقترح عليه حال وجود أي تعديل.
وتابع، أن والده كان يخرج إلى صالة المنزل، ليُجسد الشخصية بأكثر من “كراكتر” أمام أفراد أسرتي، حيث يستقر على واحدة منهم، في النهاية، وهي التي يُجسدها أمام الشاشة، مؤكدًا أنه كان شخصية طيبة للغاية ويحب الجلوس في المنزل بعيدًا عن المقاهي ومجالس الأصحاب: “من الشغل للبيت ومن البيت للشغل”.
تُشير الأجندة الخاصة بموقع “ويكيبيديا”، إلى أن “علوان” رحل عن عالمنا 30 ديسمبر 2008، إلا أن ابنه المُخرج المسرحي إيهاب علوان، يؤكد أن والده تُوفي قبل التاريخ المذكور بيومين، إذ لفظ أنفاسه الأخيرة بشكلٍ مفاجئ يوم 28 من الشهر ذاته، وبالتزامن مع ليلة رأس السنة الهجرية، كاشفا: “لم يمر بأي أزمة صحية على الإطلاق”.
وقال إيهاب علوان، إن أعمال والده الأخيرة السينمائية، كانت من خلال فيلم “أبو علي”، بينما على مستوى المسرح، كان عرض “روايح”، ومسلسل “أدهم الشرقاوي” الذي لم يستكمله وتوفي أثناء تصويره.
واستعاد “إيهاب” ذكرياته مع والده في اليوم الأخير له، إذ استيقظ الفنان قبل الفجر استعدادًا للتوجه إلى موقع التصوير في “دهشور”، حيث كان يُصور مشاهده في مسلسل “أدهم الشرقاوي”: “كنت مستيقظًا في ذلك الوقت، وصافحني بشدّة، وكان وجهه مضيئًا بشكلٍ غريب، وكاد باب الشقة أن يسقط على الأرض، بعد أنه أغلقه بيده وهو يودعني، وتعجبت جدًا من حدّته وقتها”.
وتابع: “بعد بضع ساعات، استقبلت اتصالًا من الدكتور أشرف زكي، يُخبرني بأن والدي تعرّض لأزمة صحية، وسألني (أخواتك موجودين؟) وطالبني بضرورة الاتصال بهم ومطالبتهم بالتواجد في المنزل، فشعرت بارتباك وقتها من غرابة الموقف، لا سيما أن والدي لم يشكو من أي شيء قبل خروجه من المنزل”، لافتًا إلى تلقيه اتصالًا من قِبل أفراد فريق الإنتاج ليُخبرونه بنبأ الوفاة: “شعرت بحالة صد مة وذهول، واتصلت بشقيقتي الصغرى أمل، وأخبرت باقي أفراد العائلة تباعًا، بعد وصول الجثمان، حتى تأكدت من الخبر”.
وأضاف: “فريق الإنتاج أحضر جثمان والدي، بزي الشخصية التي كان يُجسدها في المسلسل، إذ كان يرتدي الزي الرسمي للأزهر، جلابية وعمامة ودقن”، لافتًا إلى أن أشرف زكي اقترح عليه بأنه سيُنظم مراسم عزاء في القاهرة، بعد انتهاء الجنازة والعزاء في مسقط رأسه في مركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية.
وقال: “صُدفة عجيبة حدثت في الجنازة، حيث غُسل والدي وكُفن وصُلي عليه مرتين، إحداهما في القاهرة والثانية في الشرقية، وهذه الحركة ليست مقصودة على الإطلاق، حيث إن عملية تغسيل الجثمان والكفن تمت في القاهرة بشكلٍ طبيعي، ثم سافرنا به إلى الشرقية استعدادًا للدفن، ولكن وصلنا مساءً، حتى اقترحت العائلة بتأجيل الدفن إلى الصباح، وطالبوا بتغسيل الجثمان مُجددًا وكذلك الكفن، ومن ثم الصلاة عليه”.
وكشف “إيهاب” نجل متولي علوان، تفاصيل الساعات الأخيرة لوالده داخل “لوكيشن” التصوير، الذي لفظ فيه أنفاسه الأخيرة، موضحًا أنه بعد انتهاء تصوير المشهد الأول له، الذي اختتمه بالآية القرآنية: “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ”، ليسقط مغشيًا على الأرض، موضحا: “الجميع توقع أنه اندمج في الدور وأغمى عليه، لكنهم أرسلوه إلى المستشفى وتوفى”.
وأكد أن عزاءه في القاهرة لم يشهد تواجدا لأي فنان، والعزاء رفع شعار “غياب تام للفنانين”، مُبررًا ذلك بأن الجميع كان مُنشغلًا في تصوير أعمالهم السينمائية والدرامية، وذلك عكس العزاء الذي أقيم في الشرقية، وشهد حضورًا طاغيًا.