رفض الارتجال على المسرح وتولى تدريب نجلاء فتحي.. عبدالرحيم الزرقاني الفنان العملاق بائع حبوب الأخلاق
“عبد الرحيم الزرقاني” مخرج مسرحي وممثل مصري، وهو من رواد الإخراج المسرحي في مصر خاصة في فترة الستينات.
ولد في1913 في قنا، اسمه بالكامل (عبد الرحيم محمد عبد الغني الزرقاني) وهو شقيق كاتب السيناريو (علي الزرقاني).
تخرج “عبد الرحيم الزرقاني” في (المعهد العالي للفنون المسرحية) عام 1947، قال عنه الكاتب المسرحي “ألفريد فرج”: “كان مخرجًا واقعًيا بسيطًا يصب غالب اهتمامه على إبراز معالم النص وعلى اختيار ممثل ذو أداء مناسب وعلى إضاءة حركة الممثل.
و كان يحب اللغة العربية الفصحى إخراجًا وتمثيلًا” وكان محافظا في بناء الإطار المسرحي من الديكور والملابس والأدوات المسرحية بواقعية طبيعية لا اجتهاد بها”.
وكان من المعروف عن “عبد الرحيم الزرقاني” دقته في التدقيق في مخارج الألفاظ والصوتيات والنص وبتمسكه الشديد بنصه الخاص وعدم سماحه لأي فرد بتبديل أي شيء في النص الذي استقر عليه لا حذفًا ولا إضافة.
أخرج العديد من المسرحيات التي حققت نجاحًا كبيرًا بداية من مسرحية (بداية ونهاية) ،(في بيتنا رجل) ،(عيلة الدوغري) ،(سليمان الحلبي) ،(ليلي والمجنون) ونهاية بآخر أعماله المسرحية (طائر البحر) التي أخرجها في العام السابق لرحيله للمسرح القومي. إلي جانب موهبته الملموسة في الإخراج كانت له موهبته في التمثيل أيضا حيث قام ببطولة عشرين مسرحية أبرزها مسرحية (أهل الكهف)،(بابا عايز يتجوز) و(تحت الرماد).
وكان “عبد الرحيم الزرقاني” أيضًا واحدًا من رواد العمل الإذاعي حيث قدم للإذاعة ما لا يقل عن ألفيّ بطولة إذاعية سواء كانت في شكل مسلسلات أو مسرحيات قام بإخراجها.
شارك في عدد قليل من المسلسلات التليفزيونية من أبرزها (هارب من الأيام) و(محمد رسول الله).
وفي السينما فقد شارك كممثل في عدد من الأفلام لعل أشهرها هو دوره كبائع الأخلاق في فيلم (أرض النفاق).
“عبد الرحيم الزرقاني” واحد من ثلاثة وضعوا أساس فن الإخراج التي شيدت نهضة المسرح العربي في الستينيات، وهو أحد تلامذة عميد معهد الفنون المسرحية الفنان “زكي طليمات”.
وقد ظلم “طليمات” “الزرقاني”، حين رفض إيفاده عام 1950 إلى بعثة لدراسة فن الإخراج في فرنسا، مع أن ترتيبه في التخرج من المعهد كان يؤهله، فقد كان الثاني على المعهد بعد الفنان “حمدي غيث”، بينما حلّ الفنان “نبيل الألفي” ثالثًا.
لذلك لم يسافر “الزرقاني” بأمر من “طليمات”، الذي تجاوزه بحجة أن سنه كبيرًا ووضع “نبيل الألفي” بدلًا منه، ومع ذلك استطاع هو كأستاذ في المعهد تقديم العطاء السخي لموجة عالية ثانية من تلاميذه المبعوثين إلى أنحاء العالم، والذين عادوا في الستينيات ليُحيوا المسرح من جديد.
تميز الفنان المسرحي “عبد الرحيم الزرقاني” بشفافية عالية في الأداء الإخراجي، فقد كان يقرأ النص للمرة الأولى، فإذا أحبه تعلق به وقام عليه يقرأه مرات عديدة، ويدقق في كل كلمة وكل إشارة فيما يقرأ، ثم يتصل بالمؤلف أو المترجم في النهار وفي الليل يسأل عما يريد التحقق منه، ليعاود القراءة مع مساعدي الإخراج من تلاميذه ملاحظًا لانطباعاتهم واتجاه اهتمامهم، فالمسرح بالنسبة له هو الكلمة والممثل «النجاح في المسرح لا يتحقق إلا بالكلمة الممتازة والممثل المناسب للدور».
كان “عبد الرحيم الزرقاني” يُدقق في حرفية النص المسرحي، فإذا استبدل ممثل كلمة بأخرى أثناء البروفات لأنه لم يحفظ دوره مثلًا يرُده هو قائلًا: «لكل كلمة في العمل الأدبي إيحاؤها ولكل كلمة جرسها.. وكما أنه لا يستقيم أن تستبدل كلمة بكلمة في الشعر، كذلك في النثر وفي الدراما، لا يستقيم أن تفعل ذلك»، وإذا أخطأ الممثل في البروفة كان يقول له مُداعبًا: «قول اللي في النص.. لا تودي نفسك في داهية!».
كان دقيقاً في اللغة العربية الفصحي خاصة في مخارج الألفاظ والصوتيات حتي أنه لم يوجد عمل ناطق باللغة الفصحي إلا واستعان به المخرجون كممثل فيستفيدون أيضاً من تواجده بأن لا يخطئ أي ممثل في نطق الكلمات أو في قواعد النحو اللغوي حيث كان يلتقط الخطأ ويقوم بتصحيحه لأي زميل.. حتي أن المنتج السينمائي رمسيس نجيب اتفق معه علي تدريب وتعليم الممثلة الصاعدة حينذاك نجلاء فتحي أصول اللغة العربية ومخارج الألفاظ بشكل سليم ومنضبط مما أتاح لها القيام ببطولة أول أفلامها “أفراح”.
ورحل الفنان “عبد الرحيم الزرقاني” في 1 نوفمبر عام 1984 عن عمر يناهز الثانية والسبعين.