أحبتها جولدا مـائـيــر وصـورتـهــا تـتـصدر مبـنـى المــوساد.. القصة الكاملة لأخـطــر جــاســوســـة في تاريـخ مصر.. شاهد صورتها بعد القبـ ـض عليها
تعتبر المصرية هبه سليم من أخـ ـطر الجاسـ ـوسات العربيات اللواتي عملن لصالح “الموساد”، لدرجة أن صورتها اليوم تتصدر مبنى الجهاز نظراً لخدماتها التي قدمتها لإسرائيل، فما الذي دفعها لفعل ذلك؟
لم يخـ ـطر، يوماً، على بال المصرية هبة عبد الرحمن سليم أنها ستصبح جا سوسة لإسرائيل، وعندما أنهت دراستها الثانوية كانت كل الآبواب مشرعة أمامها، شابة جميلة في الثامنة عشرة من عمرها، تنتمي لعائلة ميسورة تسكن حي المهندسين في القاهرة وتتردد على نادي الجزيرة الشهير مع أصدقائها، ومثلها مثل أبناء المصريين المقتدرين، فقد قررت إكمال دراستها في الخارج، خصوصاً بعد هز يمة مصر في حر بها مع “إسرائيل” عام 1967، كانت هبة مقتنعة بأن العرب فا شلـ ـين، وصار السلام بين الشعوب حلمها وإيمانها.
سافرت إلى باريس تطلب العلم، درست في البداية اللغة الفرنسية في صفوف خاصة في جامعة “السوربون” العريقة، وهناك تعرفت هبة على زميلة يهـ ـودية بولندية وأصبحتا صديقتين، وتوطدت العلاقة بينهما وصارت الطالبة البولندية تدعوها إلى بيتها وتدعو معها لفيفاً من الشباب اليهودي.
هناك وجدت البنت المصرية ضالتها فصارت تعبر صراحة عن كر هها للحـ ـرب واشمئـ ـز ازها من العرب، وفي إحدى المرات عرضت زميلتها فيلماً وثائقياً عن الحياة الاجتماعية الهانئة في “إسرائيل”، وأعجبت هبة سليم بحياة “الكيبوتس”، وبدأت تقتنع بأن الإسرائيليين ليسوا كما يصورهم الإعلام العربي.
وبعد عدة لقاءات مع أصدقائها الجدد من اليهود، اقترحت عليها صديقتها البولندية لقاء صديق عميل لـ “الموساد” في شقتها الباريسية، وافقت هبة وصارت تلتقي به بشكل مستمر إلى أن نجح في إقناعها بالعمل لصالح جهاز المخابرات الإسرائيلي، بل هي تطوعت لمساعدته بدون مقابل مالي. بدأ عميل “الموساد” يستجوبها عن أحوال الناس المعيشية في مصر. وكانت “تل أبيب” في تلك الفترة مهتمة بمعرفة ما يجري بعد النكـ ـسة في أكبر دولة عربية.
وخلال اللقاءات بين الاثنين ذكرت هبة سليم بأنها تعرف ضابطاً مصرياً كان يشغل منصب مدير مكتب قائد سلاح الصاعقة، اسمه المقدم فاروق عبد الحميد الفقي، وعلى الرغم من أن رتبته أقل من القادة العسكريين في هذه الوحدة إلا أنه كان يحضر اجتماعاتهم، خصوصاً وأن مصر كانت قد تسلمت في تلك الفترة صوا ريخ من نوع “سام 6” الروسية وبدأت ببناء منصات لها والتحضير لحـ ـر ب مقبلة.
تلقف عميل “الموساد” تلك المعلومة وطلب منها العودة إلى القاهرة وإعادة العلاقات مع الضابط المصري، كان الفقي يتردد على نادي الجزيرة قبل مغادرة هبة إلى باريس، وكان مغرماً بها يلاحقها طوال الوقت دون أن تلتفت إليه، ولما عادت اتصلت به وعبرت له عن إعجابها بشخصيته وصارت تلتقيه يومياً.
تقدم لخطبتها من أهلها الذين وافقوا، عرفت كيف تستدرجه للعمل معها، واستأجر العميل الجديد شقة في حي المعادي وعلمته هبة كيفية استعمال الحبر السري وطريقة الاتصال بها، وهكذا تمكنت خلال فترة وجيزة من الحصول على كمية كبيرة ومهمة من المعلومات الدقيقة، أهمها الحصول على خرا ئط عسكـ ـرية واضحة المعالم عن أماكن بناء منصات الصوا ريخ.
عادت هبه سليم إلى باريس وهي تحمل صـ ـيداً ثميناً للمخابرات الإسرائيليةـ وبالفعل انتقل ضابط كبير خصيصاً إلى العاصمة الفرنسية لتسلم الخرائط التي عندها، وعندما التقاها واطلع على الخرائط الدقيقة طلب منها مرافقته إلى “تل أبيب” لمقابلة مرؤوسيه، وتحديدا رئيس جهاز “الموساد” ليقدم لها الشكر شخصياً.
عندما اقتربت طائرة “إل عال” الإسرائيلية من مطار بن غوريون “اللد” في “تل أبيب” قامت طائرتان حر بيـ ـتان بمرافقتها تحية للجاسوسة المصريةن وهي قد هبطت من على سلم الطائرة قبل جميع المسافرين، واصطف الضباط الكبار على جانبي السلم وأدوا التحية العسكرية لها.
في المساء التقت هبة سليم برئيسة وزراء الاحتـ ـلال، آنذاك، غولدا مائير وكان يقف إلى جانبها رئيس “الموساد” مائير عاميت يومها قالت غولدا لهبة: “ما قدمته لإسرائيل لم يستطع أحد من الحاضرين أن يقدمه لدولتنا”.
صباح اليوم التالي قامت الطائرات الحر بية الإسرائيلية بقـ ـصف منصات الصو اريخ الظاهرة في الخارطة، وكلما قرر الجيش المصري بناء منصات جديدة تقوم “إسرائيل” بقـ ـصفها أولا بأول، مما لفت انتباه المخابرات المصرية التي بدأت بالتحقيق مع كل من يحضر اجتماعات القيادة المصرية المسؤولة عن التحضير لنصب الصو اريخ، في محاولة لحل اللغز، فالأمور أصبحت واضحة: هناك عميل سري ينقل المعلومات إلى “إسرائيل”.
بعد أيام نجحت المخابرات المصرية في كشف العميل وتم القـ ـبض عليه بسر ية تامة، وخلال التحقيقات اعترف الضابط المصري بفعلته وقال إن خطيبته هبة هي العقل المدبر، وهي صلة الوصل مع الإسرائيليين، وتمت محاكمه الضابط بسرعة وبسـ ـر ية تامة وأعـ ـد م رميـ ـاً بالر صـ ـاص بد ون ضجة، كان الضابط الفقي ضمن الضباط القلائل الذين سيعرفون بموعد الحـ ـر ب “ساعة الصفر” باعتباره عضواً في “غرفة العمليات”.
وضعت المخابرات المصرية خطة للقـ ـبض على هبة سليم، وكان الحل استدراجها للسفر إلى ليبيا حيث يعمل والدها مدرساً هناك، وتم التنسيق مع السلطات الليبية وأقنعوا والدها بأن ابنته متورطة بخـ ـطف طائرة إسرائيلية مع الفلسطينيين وهي مطلوبة لإسرائيل.
والحل هو ادعاء الوالد بأنه مريض جداً ويريد رؤية ابنته، وفعلاً أدخلوه إلى المستشفى وقام بالاتصال بها عدة مرات وهي في باريس إلى أن وافقت على المجيء إلى طرابلس، وما أن هبطت من الطائرة حتى وجدت حولها رجال المخابرات المصرية، ساقوها بالقـ ـوة إلى طائرة جا ثمة في مطار طرابلس متوجهة إلى القاهرة،بدأت بالصـ ـراخ عندما فهمت أنه تم كشفها فقام ضابط مصري بصـ ـفعـ ـها لتخـ ـرس.
حين علمت “إسرائيل” بالقبـ ـض على هبة سليم، قامت بالضغط على الرئيس المصري الأسبـ ـق أنور السادات لإطـ ـلاق سراحها، لكن السادات كان قد أصدر أمـ ـره بإعـ ـدا مـ ـها سـ ـراً. بعد عدة أشهر من انتـ ـهاء حر ب أكتوبر، عندما فتح وزير الخارجية الأميركي الموضوع مع الرئيس المصري، أعلمه هذا الأخير بأنها اُعـ ـد مت ولا داعي للوساطة.
كانت هبه سليم متأكدة أن الإسرائيليين سيقومون باختـ ـطافـ ـها من سجـ ـن النساء، لذلك كانت تتزين كل يوم وترش العطور الباريسية على جسدها، كما قدمت التماساً للرئيس المصري وزوجته جيهان لإصدار عفو رئاسي عنها، لكنهما رفـ ـضا الالتماس، كانت قد صُـ ـنفت كأخطـ ـر جاسوسة مصرية جندها جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد”، وقد تحولت قصتها إلى فيلم بعنوان: “الصعود إلى الهـ ـاوية”، قامت ببطولته الممثلة الراحلة مديحة كامل أمام محمود ياسين.