لم تكن بدايات الفنان الراحل سمير غانم، شبيهة بالأثر الكبير الذي تركه بعد عقود من البهجة، ظهوره في فرقة ثلاثي أضواء المسرح لم يعطه القماشة العريضة التي تظهر موهبته المتفردة في الارتجال وصنع الإفيه الكوميدي.
لم يكن سمير غانم مضحكًا بالمعنى المتعارف عليه، يقف أمام الكاميرا ويطلق الإفيه فقط، بل كان يعيش بالضحكة في الحياة العادية، ظهوره في البرامج التلفزيونية كان بمثابة استاند أب كوميدي، كل ما عليه هو التحدث بتلقائية، لتصبح النتيجة مشهد هزلي من صنع “سمورة” لا يقل إضحاكًا عن مسرحياته وأفلامه.
عودة إلى البدايات، كان سمير شابًا أصلع الرأس، يرتدي نضارة تقليدية، قدراته التمثيلية لم تخرج عن نطاق اللعب على نغمة الصوت، والمشي بطريقة مميزة، في المقابل حصد الضيف أحمد الضوء بسبب ملامحه وثقافته، بينما جورج سيدهم شعبيته وسط الأطفال الذين كان يشبههم جعلته في المنطقة الأمنة التي يبحث عنها كل كوميديان صاعد.
في تلك المرحلة لم يصعد نجم سمير غانم، فقط كان هناك اسم واحد فقط، ثلاثي أضواء المسرح، كيان متكامل يقدم المسرحيات والاسكتشات والفوازير، بمعنى آخر كان النجومية داخل قالب الفرقة، لكن في مطلع السبعينات، حدثت الإنطلاقة.
عندما يرى الجمهور نجمه في طلته الأولى، ترسخ الصورة إلى الأبد، لكن مع سمير غانم اختلف الأمر، الشاب الذي كان في الثلاثي يتمتع بالصلعة والملامح الحيادية، تحول إلى شاب منطلق يرتدي الألوان الزاهية، وعلى رأسه شعر مستعار لا تشعر بالغرابة، كما فقد كثيرًا من وزنه فظهرت عظام الوجنتين، تحول الشكل سبقه تغيير في المضمون، لم يعد يعتمد على أدوات الصوت والحركة فقط، انطلق، صار أكثر حرية على المسرح، يقدم الأستاند أب كوميد في مسرحياته قبل عقود من معرفتنا به.
تعامل الجمهور مع سمير غانم على أنه وجه جديد يختلف كثيرًا عن سمير الذي شاهدوه في الثلاثي، لم يكن الأمر معتمدًا فقط على القرار الفردي لسمير بضرورة تغيير جلده، الحركة العالمية الشبابية التي أضفت بصمتها على الموضة والسينما والثقافة أثرت على تفكير الجيل الجديد الذي حمل تمردًا واضحًا على المدراس السابقة.
جيل فؤاد المهندس، وعبد المنعم مدبولي، ومحمد عوض، خرج من عباءة نجيب الريحاني، تأثروا به وبدأوا بطريقته، لكن جيل عادل إمام، وسمير غانم، وسعيد صالح، كان أكثر تمردًا في القضايا التي ناقشوها عن أحلام الشباب.
هناك فنان بريطاني كوميدي اسمه بيتر سلز، كان نجمًا في الخمسينيات وصولاً إلى الثمانينات، هذا الرجل كان مدرسة خاصة في الكوميديا، اعتمد على تغيير ملامحه وفق الدور الذي يجسده، كان يستخدم الإكسسورات في خدمة الدور، كان استثنائيًا، لهذا كان تأثيره على الجيل الجديد في جميع أنحاء العالم ظاهرًا، أحد هؤلاء الذين تأثروا به وبطريقته، شاب يمتلك موهبة ورصيد كبير من خفة الد م، عرفناه فيما بعد باسم “سمير غانم”.
منذ أربع سنوات، في حوار سابق للفنانة دنيا سمير غانم، في برنامج “تلاتة في واحد” الذي قدمته الفنانة شيماء سيف، تحدث عن إعجاب والدها سمير غانم بالنجم بيتر سلز.
نظرة فاحصة على صور بيتر سلرز، تكتشف أن هناك شيئًا مشتركًا بينه وبين سمير غانم، الملامح ليست متطابقة حرفيًا، لكن يراودك شعور بالشبه، ربما الإكسسوارت، طريقة قص الشارب، نظر العينين، شكل الأنف.
من حق أي فنان أن يتأثر بمن سبقوه، ويختار منهم عرابًا، شرط ألا يســ قط في فخ الاستنساخ، وسمير غانم وجد في سلرز الأب الروحي الذي ساعده على الظهور في طلة تناسب موهبته الكبيرة، من المؤكد أنهما لم يلتقيا في الواقع، سلرز تو في في بداية الثمانينات، لكن سحر شاشة السينما جمعتهم.
رحل الفنان الكوميديان الكبير سمير غانم عن عمر ناهز 84 عامًا، داخل أحد المستشفيات الكبرى بالقاهرة، متأ ثرًا بإ صا بته بفيروس كورونا
سمير غانم، من مواليد 15 يناير 1937، تخرج في كلية الزراعة جامعة الإسكندرية، ثم التقى بكل من جورج سيدهم والضيف أحمد، وكونوا معا فرقة “ثلاثي أضواء المسرح” الشهيرة، وتوالت بعد ذلك أعماله الفنية الشهيرة.