مي زيادة أو “ماري الياس زيادة” كاتبة وروائية عربية، تميزت بجمالها وثقافتها، إذ تعتبر من أهم الروائيات العربيات، فهي تمتلك شخصية ساحرة وثقافة كبيرة.
ونظراً لتميّزها بين الأدباء في عصرها، وكونها امرأة عربية استثنائية حظيت بالكثير من التقدير والاحترام في عالمنا لفكرها وأدبها القيّم، سنستعرض معكم قصّتها خلال السطور القليلة القادمة لمن لا يعرفها.
نبذة عن بداياتها
ولدت “مي زيادة” في الناصرة عام 1886 وهي الابنة الوحيدة لأب لبناني ماروني، وأم فلسطينية أرثوذكسية، وكان والدها الياس زيادة يعمل محرراً صحفياً.
درست المرحلة الابتدائية في مدينة الناصرة، ثم انتقلت مع عائلتها إلى بلدة كسروان في لبنان، لتلتحق بالمدرسة الفرنسية هناك، وأكملت دراستها الثانوية فيها، حيث ثقلت ثقافتها في تلك الأثناء بالأدب الفرنسي والرومانسي الذي أعجبها وحاز على جزء من قلبها.
عادت عائلتها مجدداً إلى الناصرة عام 1904، ويقال أنها نشرت أولى مقالاتها الصحفية عندما كانت تبلغ من العمر 16 عاماً.
صعود نجمها بين الأدباء
في عام 1908 هاجرت “مي زيادة” برفقة عائلتها إلى مصر، حيث قام والدها بتأسيس صحيفة اسماها “المحروسة”، كان لها فيما بعد مساهمات كبيرة فيها.
اهتمت “مي” كثيراً بتعلم اللغات الأجنبية، وتولعت بذلك لدرجة أنها استطاعت اتقان تسع لغات هي الإنكليزية والإيطالية والألمانية والإسبانية واللاتينية واليونانية والفرنسية والسيريانية بالإضافة إلى اللغة العربية.
أنشأت صالوناً أدبياً عام 1912، استقبلت فيه العديد من الأدباء والمثقفين، إذ كانت تحظى بشعبية واسعة، وشهرة جعلتها معروفة جداً في الأوساط الأدبية، حيث تردد إلى صالونها الأدبي كبار الكتاب العرب أمثال طه حسين وخليل مطران وأحمد لطفي السيد وأنطوان الجميل وعباس العقاد وغيرهم العديد.
تعمقت “مي” في اتقان اللغة الفرنسية، وكان أول كتاب لها هو “أزاهير حلم” وهو عبارة عن مجموعة اشعار باللغة الفرنسية، تلاه العديد من المجموعات الشعرية مثل “كتاب المساواة” و”كلمات وإشارات” و”ابتسامات ودمـ.ـوع”، ونشرت الكثير من مقالات الرأي والمواد الأدبية في أهم الصحف المصرية، مثل “الأهرام” و”الهلال” و”الزهور”.
كما كان له عدة مشاركات في حركات تحرر المرأة، إذ كانت دائماً تعرب عن قلقها حول موضوع تحرر المرأة العربية، ولديها مقولة شهيرة بهذا الخصوص حيث قالت: ” أن المرأة المستـ.ـعبدة لا تستطيع إرضاع أطفالها رضاعة طبيعية طالما أن هذا الحليب تطـ.ـغى عليه رائحة العبـ.ـودية”.
في عام 1921 نجحت بعقد مؤتمر يسلط الضوء على حياة المرأة العربية، وكان المؤتمر تحت عنوان “الهدف من الحياة”، حيث دعت فيه المرأة العربية إلى السعي وراء الحرية والانفتاح على الغرب دون نسيان هويتها الشرقية.
فراشة الأدب التي أحبها الأدباء ولم تلقي لهم بالاً
ما قيل عن “مي زيادة” من أنها فاتنة الجمال والثقافة وفراشة الأدب، جعلها محط أنظار وإعجاب الكثير من الأدباء المعروفين، إذ دار بفلك حبها كثيرون، واكتـ.ـوى بنار عشقها وهجـ.ـرها آخرون.
من بين الشخصيات التي غازلت “مي” شيخ الشعراء إسماعيل صبري الذي قال عنها مغازلاً: “وأستَغفر الله من بُرهَةٍ منَ العُمرِ لم تَلقَني فيكِ صَبّا”.
وذات مرة وجه الشاعر حافظ إبراهيم دعوة إلى صديقه القاضي والشاعر عبد العزيز فهمي لكي يتحدث أثناء تواجدهما في صالونها الأدبي، فنظر “فهمي إلى مي وقال: “النظر هنا خير من الكلام ومن الإصغاء”.
فيما قال الشاعر أحمد شوقي واصفاً شعوره نحوها: “إذا نطقت صبا عقلي إليها… وإن بسمت إليَّ صبا جناني”. وتحدث عنها صاحب مجلة الرسالة أحمد حسن الزيات بقوله: “تختصر للجليس سعادة العمر كله في لفتة أو لمحة أو ابتسامة”. ورثـ.ـاها عبّاس محمود العقاد قائلاً: “كل هذا في التراب آه من هذا التراب”.
كل الشخصيات الآنفة الذكر عبرت عن إعجابها بـ “مي” كلٌّ على طريقته، إلا أن بعضاً منهم أسهب في حبها، وكانوا يترددون إلى صالونها الأدبي، لسرقة نظرة أو ابتسامة، ووصال معها حتى لو بكلمة واحدة.
وتفيد الروايات الموثقة أن “مي زيادة” أسـ.ـرت قلوب أربعة من الأدباء والشعراء الكبار في عالمنا العربي، هم أحمد شوقي والرافعي والعقاد وجبران خليل جبران، وكتبوا فيها من الشعر والنثر ما لم يكتب في غيرها.
لكن قلبها لم يخفق إلا لشخصٍ واحد، هو الشاعر والكاتب اللبناني الشهير جبران خليل جبران، رغم أنهما لم يلتقيا ولو لمرة واحدة، ودامت المراسلات بينهما لمدة 20 عاماً، من عام 1911 حتى وفـ.ـاة جبران في نيويورك عام 1931.
حيث كانت صيغة الرسائل بينهما غرامية خالصة، إذ كان جبران الرجل الوحيد الذي بادلته حباً بحب، وإن كان حباً روحياً عذرياً، حيث لم تقبل الزواج من أحد، على الرغم من كثرة عشاقها، وذلك إخلاصاً لحبها العفيف الضائع.
رحيل مي زيادة
بين عامي 1928 و1932، تعرضت مي زيادة لصـ.ـدمات كبيرة على مستوى حياتها الشخصية، إذ تـ.ـوفي والديها، فضلاً عن وفـ ـاة الكاتب اللبناني الذي جمعتها معه علاقة حب وهو جبران خليل جبران.
حيث تدهـ.ـورت حالتها الصحية بعد ذلك، ودخلت إحدى مشافي الأمراض النفسية في لبنان، سرعان ما تحسنت حالتها قليلاً، فعادت إلى القاهرة، إذ تـ.ـوفيت هناك بتاريخ 17 أكتوبر/تشرين الأول عام 1941، فقالت عنها هدى الشعراوي حينها: “كانت مي المثل الأعلى للفتاة الشرقية الراقية المثقفة”. كما كُتب في رثـ.ـائها الكثير من المقالات في الصحف.