أموال طائلة دفعت لإنشاء خط أنابيب الغاز الروسي “نورد ستريم 2”. وأصبح هذا الخط في صلب المواجهة بين روسيا والبلدان الغربية بشأن أوكرانيا، ما يثير تساؤلات حول من الفائز ومن الخاسر في حال توقف المشروع بشكل دائم؟
الاستعدادات المخيفة لهجوم روسي على أوكرانيا وارتفاع معدل التضخم في أوروبا، مدفوعا بشكل أساسي بارتفاع أسعار الطاقة، لها علاقة ببعضها البعض، وبالتحديد: خط أنابيب بحر البلطيق نورد ستريم 2 (NS2). ويعتقد العديد من المراقبين أن روسيا تستخدم قوتها كمورد للغاز وترفع الأسعار لدق إسفين في كتيبة أنصار أوكرانيا.
ويقول المراقبون إن هذا الأسلوب ياتي في إطار تطبيق مبدأ “الحرب الهجينة” من قبل روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين.
ويرى خبراء أن ارتفاع الأسعار في القارة الأوروبية تفاقم بسبب نقص الغاز الطبيعي، وهو ما أدى إلى زيادة أسعار الطاقة، وبالتي أسعار ما يتعلق بها من سلع وخدمات. وتجدر الإشارة إلى أن خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” الذي ينقل الغاز الروسي إلى المستهلكين الألمان، يعد عنصرا حيويا وهاما في منظومة الطاقة.
وإزاء دعوات وقف المشروع أو بالأحرى تهميشه، تثار تساؤلات حول من الفائز والخاسر في حال حدوث هذا السيناريو؟
المكاسب والخسائر الجيوسياسية؟
بتكلفة تبلغ 10 مليارات يورو (11.5 مليار دولار)، يبلغ طول خط غاز “نورد ستريم 2” المثير للجدل 1230 كيلومترا وفي حالة تشغيله بطاقته الكاملة فإنه سوف يضاعف حجم تصدير الغاز المباشر من روسيا إلى ألمانيا إلى 110 مليارات متر مكعب سنويا.
ويشار إلى أن العمل في تنفيذ المشروع قد اكتمل في سبتمبر/ أيلول هذا العام، لكن لم يتم التشغيل بعد انتظارا لموافقة الهيئات التنظيمية في ألمانيا والاتحاد الأوروبي، فيما علق منظم الطاقة الألماني إجراءات الموافقة على الخط، إذ ذكر أن الموافقة النهائية إيذانا بتشغيل الخط لن تصدر حتى النصف الثاني من العام المقبل.
بيد أن هذا التعليق لن يقلل من مخاوف الولايات المتحدة وبولندا وأوكرانيا من استغلال الدب الروسي لخط غاز “نورد ستريم 2” لتحقيق مكاسب سياسية خاصة مع انخفاض تدفقات الغاز من روسيا في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إلى أدنى مستوى لها في ست سنوات .
وقد أدى هذا الانخفاض إلى ارتفاع سعر الغاز الطبيعي في السوق إلى مستوى قياسي بلغ 800 دولار لكل ألف متر مكعب وهو أعلى من السعر الطبيعي البالغ حوالي 300 دولار.
وفي ذلك، قدرت “ريستاد إنرجي” الاستشارية أنه في حالة زيادة روسيا صادراتها من الغاز بنسبة 20٪ ، فسوف يخفض هذا سعر السوق للغاز في بلدان أوروبا الغربية بنسبة 50٪.
سينقل خط أنابيب نورد ستريم 2 الغاز مباشرة من روسيا إلى ألمانيا ما يعني تجاوز بلدان أوروبا الشرقية ، التي تستفيد حاليا من رسوم نقل الغاز الروسي عبر أراضيها.
وتواجه ألمانيا معضلة منذ محاولتها الابتعاد عن الوقود الأحفوري. فقد قررت برلين التخلي عن الطاقة النووية، لكن مصادر الطاقة المتجددة في ألمانيا لن تولد سوى القليل جدا من الكهرباء في المستقبل المنظور، ولذلك بدت البنية التحتية لنقل الغاز، والتي غالبا ما تستثني دول العبور، التي تعاني من مشاكل مثل بولندا وأوكرانيا، مثالية لبعض الوقت، أمام صناع القرار في ألمانيا.
وتجد ألمانيا نفسها في مأزق خاصة وسط ضغوط ومطالب من الولايات المتحدة لاستخدام خط الغاز “نورد ستريم 2” كورقة ضغط لردع روسيا عن أي توغل يستهدف أوكرانيا، فضلا عن مخاوف من أن يؤدي الاعتماد على هذا الخط إلى الإضرار بقطاع الطاقة في الاتحاد الأوروبي.
وحتى في الداخل الألماني، فإن حزب الخضر – أحد الأطراف الرئيسة في الحكومة الائتلافية الجديدة – يعارض بشدة المضي قدما في تشغيل خط “نورد ستريم 2”.
وفي ذلك، ترى أنّا ميكولسكا - الباحثة في مركز دراسات الطاقة في جامعة رايس الأمريكية – أن “ألمانيا ستخسر كثيرا في حالة عدم تشغيل خط نورد ستريم 2 “.
وفي مقابلة مع DW، أضافت “ستفتقر ألمانيا إلى الوصول المباشر للغاز الروسي، كذلك لا يمكنها حتى التفكير في أن تصبح مركزا للغاز في المنطقة”.
وفي ظل المخاوف الأوروبية خاصة من جانب أوكرانيا، سعت برلين إلى تهدئة مخاوف كييف إذ أكد المستشار الجديد أولاف شولتس أن ألمانيا “ستفعل ما بوسعها” لضمان بقاء أوكرانيا دولة عبور للغاز الروسي إلى أوروبا.
كذلك، نجحت ألمانيا في نيل موافقة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمشاركة في تمويل صندوق بقيمة مليار دولار لأوكرانيا لمساعدتها في تنويع مصادرها من الطاقة، بالإضافة إلى تعهد الحكومة الألمانية بتعويض أوكرانيا عن رسوم نقل الغاز التي سوف تخسرها حال تشغيل خط “نورد ستريم” حتى عام 2024.
وكانت ألمانيا والولايات المتحدة قد أعلنتا في يوليو / تموز الماضي التوصل إلى اتفاق بشأن خط أنابيب “نورد ستريم 2” يتضمن إمكانية فرض عقوبات على روسيا ويسعى لتمديد عمليات عبور الغاز عبر أوكرانيا.
وفي هذا الصدد، يرى شميت أن روسيا تستخدم الطاقة “كسلاح”، مضيفا أن “هذا الأمر يحدث الآن”. وشدد على أنه “رغم كل هذه المعطيات، إلا أن ألمانيا لم تقدم على الاعتراف بهذه الحقيقة علنا حتى الآن، ناهيك عن السعي لفرض عقوبات على مستوى الاتحاد الأوروبي، وهذا في الواقع إضعاف للاتفاقية التي وقعتها ألمانيا نفسها”.
وتزامن هذا مع بدء ظهور الخلافات بين حزب الخضر والحزب الاشتراكي الديمقراطي بشأن خط “نورد ستريم 2”.
وفي مقابلة مع DW ، قال ألبريشت روتشر – مؤلف كتاب “بوتينوميكس.. كيف دمر الكرملين الاقتصاد الروسي”- إنه يعتقد أن المستهلكين في ألمانيا والنمسا “سيكونون أكبر الخاسرين إذ ارتفعت فواتير الغاز بنسبة 25٪”.