أنفقت شركات تصنيع السيارات مليارات الدولارات طوال السنوات الماضية للاستثمار في قطاع المركبات الكهربائية، مع الاهتمام المتزايد من جانب المستهلكين بالطاقة النظيفة.
لكن الشركات العالمية الكبرى تواجه مؤخرًا معضلة تباطؤ سوق السيارات الكهربائية، وسط مخاطر تتضمن ارتفاع معدلات الفائدة والتضخم وعدم اليقين الاقتصادي.
إشارات تباطؤ الطلب
– يواصل سوق السيارات الكهربائية حول العالم النمو القوي خلال الفترة الأخيرة، مع استمرار انتشار تكنولوجيا القيادة النظيفة.
– في الولايات المتحدة، بلغت مبيعات السيارات الكهربائية نحو 873 ألف وحدة خلال أول 9 أشهر من العام الجاري، مقابل 250 ألف مركبة في إجمالي 2020.
– تتجه مبيعات السيارات الكهربائية إلى تجاوز مليون وحدة بحلول نهاية العام الجاري، ما يمثل زيادة 50% على أساس سنوي، بحسب “كوكس أوتوموتيف”.
– للعام الثاني على التوالي، تتجه مبيعات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة لتشكل نحو 10% من إجمالي المركبات المبيعة.
– بينما تظل الصين في صدارة أسواق المركبات الكهربائية، حيث تشكل السيارات العاملة بالبطاريات نحو ثلث إجمالي المركبات المبيعة هذا العام.
– نمت المبيعات العالمية من السيارات الكهربائية بنحو 33% في أول تسعة أشهر من العام الجاري.
– بالرغم من أن سوق السيارات الكهربائية لا يزال ينمو، فإن وتيرة هذا النمو تشهد حالة من التباطؤ الملحوظ مؤخرًا.
– يشير محللون إلى أن العصر الذهبي للتبني السريع للسيارات الكهربائية قد يكون بالقرب من النهاية.
– في الربع الثالث من هذا العام، نمت مبيعات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة 50% على أساس سنوي لتسجل 313 ألف مركبة، مقابل وتيرة نمو تقارب 75% في عامي 2021 و2022.
– توقعت شركة تصنيع الرقائق “أونسيمي Onsemi” أداءً مالياً ضعيفاً في الربع الحالي، مع إلغاء حوالي 900 وظيفة، بفعل تراجع الطلب من جانب السيارات الكهربائية.
– تسبب تباطؤ الطلب في تراكم المخزونات، حيث كان لدى شركات تصنيع السيارات الكهربائية ما يكفي من المخزون لمدة 88 يومًا بنهاية شهر سبتمبر، مقابل 56 يومًا للنماذج التقليدية.
– ذكرت “ستيفاني فالديز” المديرة في “كوكس أوتوموتيف” أنه في العام الماضي، لم تضطر شركات السيارات إلى خفض الأسعار وكان هناك قائمة انتظار لهذه المركبات، بينما يشهد السوق حالياً المزيد من المخزون رغم تقليص الأسعار.
– استجاب المستثمرون لتباطؤ الطلب على السيارات الكهربائية، حيث إنه على مدى الثلاثة أشهر الماضية، انخفض الصندوق المتداول للسيارات الكهربائية ذاتية القيادة بأكثر من 24%، ما يتجاوز وتيرة هبوط مؤشر “إم إس سي إي” للأسهم العالمية والبالغة 8%.
عوامل وراء التباطؤ
– زادت عملية شراء المستهلكين للسيارات الكهربائية صعوبة في الفترة الأخيرة، بفعل العديد من العوامل.
– تراجعت قدرة العديد من الأشخاص على شراء السيارات الكهربائية بفعل ارتفاع معدلات التضخم والفائدة في العديد من الدول حول العالم.
– حذر “إيلون ماسك” الرئيس التنفيذي لشركة “تسلا” من أنه يشعر بالقلق جراء بيئة معدلات الفائدة المرتفعة حالياً، ما يضر بقدرة الكثير من الأشخاص على شراء المركبات.
– تعتبر أسعار المركبات الكهربائية أعلى من السيارات العاملة بالبنزين، بسبب ارتفاع تكلفة البطاريات مقارنة بمحركات الاحتراق الداخلي.
– تباع سيارة “فورد” من الفئة “إف-150 لايتينيج” بسعر يبدأ من 50 ألف دولار قبل ائتمان ضريبي فيدرالي بقيمة 7500 دولار، وذلك مقابل النسخة العاملة بالبنزين التي يبلغ سعرها أقل من 37 ألف دولار.
– كما يبلغ سعر سيارة “شيفروليه بلازر” التابعة لـ”جنرال موتورز” نحو 37 ألف دولار، بينما تصل تكلفة النسخة الكهربائية من نفس المركبة 56 ألف دولار قبل الائتمان الضريبي.
– حذر العديد من المسؤولين في قطاع السيارات الكهربائية من أن العديد من المستهلكين قد يكونون وصلوا إلى الحد الأقصى من القدرة على الشراء.
– يشعر العديد من الأشخاص الذي أحجموا عن شراء سيارة كهربائية حتى الآن بالقلق من إجراء تعديلات كبيرة تشمل استيعاب تقنيات جديدة، بالإضافة إلى الحساسية الكبيرة تجاه السعر.
– قالت “جيسيكا كالدويل” المسؤولة في شركة “إدموند” إن تبني السيارات الكهربائية يتجه إلى الانتقال للمرحلة التالية، والتي تتطلب اهتمامًا أكبر في السوق.
– أشارت “كالدويل” إلى أن المرحلة الجديدة تستهدف بيع المركبات الكهربائية لمجموعة من المستهلكين غير المتحمسين أو الراغبين في الشراء مثل المستخدمين الأوائل لهذه السيارات.
محاولات لتخفيف الأزمة
– قال “ماسك” خلال إعلان نتائج أعمال “تسلا” في الشهر الماضي إن عددا كبيرا من الأشخاص يعيشون من راتب إلى آخر، مع وجود الكثير من ديون بطاقات الائتمان والرهن العقاري.
– شدد “ماسك” على ضرورة قيام شركته بخفض أسعار السيارات لتصبح أكثر إمكانية لتحمل اقتنائها.
– بالفعل، قامت شركة “تسلا” بخفض أسعار سياراتها الكهربائية عدة مرات هذا العام، بنسبة وصلت في بعض الحالات إلى 30%.
– انضمت شركات أخرى لتصنيع السيارات الكهربائية إلى نهج “تسلا” في خفض الأسعار، فيما شكل حالة من حرب الأسعار بين الشركات.
– بلغ متوسط السعر المدفوع لشراء سيارة كهربائية في الولايات المتحدة نحو 50.6 ألف دولار في سبتمبر الماضي، مقابل 52.2 ألف دولار في أغسطس، و65 ألف دولار قبل عام واحد، بحسب بيانات “كوكس أوتوموتيف Cox Automotive”.
– كما تستمر المحاولات الخاصة بخفض تكلفة البطاريات المشغلة للسيارات الكهربائية، لكن الأمر قد يستغرق ثلاث سنوات على الأقل قبل أن تصبح أسعار البطاريات قابلة للمقارنة مع محركات الاحتراق الداخلي، بحسب “بلومبرج بي إن إي إف”.
ضغوط متزايدة على الشركات
– تتعرض شركات السيارات لضغوط مالية ملحوظة مؤخرًا بفعل تداعيات عمليات خفض أسعار سياراتها وتباطؤ الطلب بأكثر من توقعاتها.
– انخفض معدل نمو إيرادات وحدة السيارات التابعة لـ”تسلا” إلى 5% خلال الربع الثالث من هذا العام مقارنة بنحو 51% في العام الماضي.
– كما تراجع إجمالي الهامش لأعمال السيارات في “تسلا” إلى 16.3% في الربع الثالث من العام الجاري، وهو أقل مستوى في أكثر من أربع سنوات.
– كما حققت شركة “فورد” خسائر مالية بقيمة 1.3 مليار دولار من وحدة السيارات الكهربائية خلال الربع الثالث من هذا العام.
– تتجه شركات السيارات الكهربائية لتأجيل أعمالها التوسعية الإنتاجية خلال الفترة المقبلة، في إطار التعامل مع تباطؤ السوق.
– قال “ماسك” إنه قد يؤجل خططاً بشأن تدشين مصنع جديد لـ”تسلا” بقيمة مليار دولار في المكسيك.
– كما أجلت “جنرال موتورز” خططاً لتوسيع إنتاج النسخ الكهربائية من “شفروليه سيلفرادو” و”جي إم سي سيرا” في مصنع في ضواحي “ديترويت” من العام المقبل إلى نهاية 2025.
– ذكرت الشركة أنها لن توسع الإنتاج حتى تحصل على قراءة أفضل للطلب على السيارات الكهربائية، بالإضافة إلى إجراء تغييرات من شأنها خفض تكاليف التصنيع.
– من جانبها، قررت “فورد موتور” تأجيل بناء مصنعها الجديد بقيمة 12 مليار دولار للسيارات الكهربائية، بفعل تباطؤ الطلب من جانب المستهلكين.
– قال “جون لولر” المدير المالي لشركة “فورد” إن التوجه العام يدور حول فكرة أن سوق السيارات الكهربائية لا ينمو، لكن الواقع يشير إلى أنه ينمو وإن كان بوتيرة أبطأ من الصناعة ومن توقعات الشركة.
– أعلنت شركتا “هوندا” و”جنرال موتورز” إلغاء خطة بقيمة 5 مليارات دولار للتطوير المشترك لسيارات كهربائية منخفضة التكلفة.
– ذكرت “جنرال موتورز” أنها ستركز جهودها على المدى القريب على تلبية الطلب بدلًا من تحقيق أهداف محددة الحجم فيما يتعلق بالسيارات الكهربائية.
إلى أين يتجه السوق؟
– يبدو قطاع السيارات الكهربائية في طريقه لمواصلة النمو البطيء خلال العام المقبل، مع استمرار ضغوط معدلات الفائدة المرتفعة.
– قال “لي تشانغ سيل” المدير المالي لشركة “إل جي إنرجي سولوشن” الكورية لتصنيع البطاريات إن الطلب على السيارات الكهربائية في العام المقبل قد يأتي أقل من التوقعات، بسبب عدم اليقين الاقتصادي العالمي.
– كما ذكر “ستيف براون” المحلل في “فيتش” أن الأمر يبدو كما لو أن المتبنين الأوائل قد انتهوا من تبني فكرة السيارات الكهربائية، بينما يتحول الأمر الآن إلى نقطة تحتاج إلى الوصول إلى المستهلك العادي.
– يرى “براون” أن المستهلكين العاديين أصبحوا أكثر ترددًا بشأن تبني فكرة التحول للسيارات الكهربائية.
– يعتقد “ديفيد ويليامز” المحلل لدى شركة “بينشمارك” أن انخفاض القوة الشرائية للمستهلكين بالتزامن مع وضع الاقتصاد الكلي من المرجح أن يُبقي المشترين على الهامش خلال الربعين المقبلين.
– من حسن الحظ، يتواصل هبوط أسعار السيارات الكهربائية بالتزامن مع تراجع أسعار البطاريات.
– من المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في السنوات المقبلة، مع استمرار هبوط أسعار الليثيوم من المستويات القياسية المسجلة مؤخرًا.
– من شأن استمرار هبوط أسعار السيارات الكهربائية أن يدعم قدرة المزيد من المشترين على اقتناء هذه المركبات، مع تراجع الفجوة السعرية مع السيارات العاملة بالبنزين.