هل تنجح الإجراءات الحادة في إنقاذ اقتصاد الأرجنتين؟
تولى رئيس الأرجنتين الجديد “خافيير ميلي” مهام منصبه رسمياً في العاشر من شهر ديسمبر الجاري، لكنه لم ينتظر سوى 4 أيام فحسب لإصدار قرارات اقتصادية عنيفة تهدد بآثار كبيرة على ملايين المواطنين.
وتأتي سياسة “العلاج بالصدمة” لمشاكل الأرجنتين الاقتصادية وسط معاناة البلاد من تضخم جامح وركود اقتصادي ووجود 4 من كل 10 أشخاص تحت براثن الفقر.
تدابير اقتصادية صادمة
– تسلمت حكومة جديدة زمام الأمور في الأرجنتين في وقت سابق من الشهر الحالي، بعد فوز “خافيير ميلي” بمنصب الرئيس.
– بعد أيام قليلة من تولي الحكومة الجديدة، أقرت مجموعة من التدابير الاقتصادية المؤلمة، في مسعى لإعادة إحياء الاقتصاد.
– أعلن وزير الاقتصاد “لويس كابوتو” خفض قيمة العملة المحلية 50%، لتصبح 800 بيزو لكل دولار من 400 بيزو سابقًا.
– من شأن القرار أن يجعل السعر الرسمي للعملة المحلية في الأرجنتين يقترب من السعر في السوق الموازية والتي تشهد تداول البيزو أعلى 1000 بيزو لكل دولار.
– كما أعلن الوزير الأرجنتيني خفض الدعم على الطاقة والنقل، لكنه لم يوضح حجم الخفض المقرر.
– تشمل خطط خفض الإنفاق تقليص تحويلات الميزانية الفيدرالية إلى المقاطعات إلى الحد الأدنى، مع وقف جميع مشاريع الأشغال العامة الجديدة.
– تضمنت القرارات زيادة مؤقتة في الضرائب على الواردات، لكن الوزير وعد بإلغاء النظام الحالي للتصاريح الحكومية للواردات وإلغاء ضرائب التصدير بمجرد انتهاء حالة الطوارئ الاقتصادية في الأرجنتين.
– لم تسلم الحكومة نفسها من تدابير خفض الإنفاق، حيث تم خفض عدد الوزراء في الحكومة إلى 9 وزراء فحسب من 18 وزيرًا في السابق.
– على الجانب الآخر وللتعويض عن أثر القرارات الحادة، أعلنت الحكومة الأرجنتينية رفع قيمة بطاقات الغذاء المقدمة من الحكومة بنسبة 50% مع مضاعفة الإعانات الممنوحة للأطفال.
– اعترف “كابوتو” بأن الإجراءات المعلنة ستكون مؤلمة على المدى القصير، لكنه اعتبرها ضرورية لخفض العجز المالي وكبح التضخم الذي من المتوقع أن يتجاوز 200%.
– أشار الوزير الأرجنتيني إلى أن أساس المشاكل الاقتصادية في بلاده يتمثل في إدمان العجز المالي، حيث شهدت الأرجنتين عجزًا مالياً في 113 عاما من آخر 123 عاما.
– اعتبر “إيفان فيرنينج” الخبير الاقتصادي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن هذه الإجراءات تشكل بداية جيدة، مشيرًا إلى أن الاقتصاد الأرجنتيني يشبه المنزل الذي يتعرض للاحتراق بالفعل.
معاناة اقتصادية طويلة
– تراكمت المشاكل الاقتصادية في الأرجنتين طوال عقود، حيث اعتادت الحكومات على الإنفاق المالي الضخم، مع طباعة البنك المركزي للنقود لتمويل الديون الناتجة.
– تسبب تراكم العجز المالي والديون الحكومية في تسارع التضخم وفقدان الثقة في العملة المحلية والتي فقدت نحو 90% من قيمتها في آخر 5 سنوات فحسب، بالإضافة إلى انتعاش السوق الموازية للعملة والتي تقيم الدولار بأكثر من ضعف القيمة الرسمية في البنوك – قبل الخفض الأخير لسعر الصرف.
– في الوقت الحالي، يعاني اقتصاد الأرجنتين من الركود التضخمي، وهو مزيج مؤلم يتضمن مستويات مرتفعة من التضخم بالتزامن مع ركود اقتصادي.
– دخل اقتصاد الأرجنتين في حالة ركود فعلية، بعد انكماش الناتج المحلي الإجمالي في الربعين الثاني والثالث من العام الجاري.
– بينما يواصل التضخم في الأرجنتين تسارعه الحاد خلال الأشهر الماضية، حيث ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين بنحو 161% في شهر نوفمبر الماضي على أساس سنوي.
– يقبع حوالي 40% من عدد سكان الأرجنتين تحت خط الفقر، مع تراجع الدخل الحقيقي عند الأخذ في الاعتبار مستويات التضخم.
– تأتي مشكلة الديون في بؤرة الأزمات الاقتصادية في الأرجنتين، حيث تسعى لإعادة هيكلة برنامج قروض متعثر بقيمة 45 مليار دولار مع صندوق النقد، بالإضافة إلى استحقاق 10 مليارات دولار لدائنين في أبريل المقبل.
– ترى وكالة “فيتش” أن تصنيف الأرجنتين عند “سي سي” يشير إلى أن إعادة الهيكلة أو حدوث حالة تعثر عن سداد الديون يعتبر الأمر الأكثر احتمالًا من عدمه في السنوات المقبلة.
– الرئيس الأرجنتيني نفسه حذر في خطاب تنصيبه من أن التضخم قد يصل إلى 15 ألف بالمائة في حال عدم التدخل للسيطرة عليه، بالإضافة إلى ما وصفه بـ”قنبلة ديون بقيمة 100 مليار دولار تهدد البلاد”.
تعهدات انتخابية
– لم تشكل قرارات الحكومة الجديدة في الأرجنتين مفاجأة للمحللين أو المواطنين في الأرجنتين، حيث تركزت تعهدات “ميلي” خلال حملته الانتخابية على ضرورة خفض الإنفاق الحكومي.
– كان “ميلي” قد ألمح إلى ضرورة إجراء تعديلات اقتصادية صادمة في خطاب تنصيبه رئيساً، بعد أن حذر من أن التوقعات تشير إلى وصول التضخم الشهري في الأرجنتين بين 20% إلى 40% في الفترة بين شهري ديسمبر وفبراير.
– رفع “ميلي” خلال حملته الانتخابية شعار “لا يوجد مال”، متعهدًا بتقليص العجز المالي والإنفاق الحكومي، ما يبرر ارتفاع الأصول المالية الأرجنتينية بعد إعلان فوزه بالانتخابات.
– يستهدف الرئيس الجديد ما اعتبره الكثير من الاقتصاديين أصل كل المشاكل الاقتصادية في الأرجنتين وهو الإنفاق الحكومي الكبير، حيث اقترح سابقًا تحقيق التوازن في الموازنة بحلول عام 2024 من خلال خفض الإنفاق وزيادة الضرائب.
– اكتسب “ميلي” صورة غريبة الأطوار خلال حملته الانتخابية، بعد تصريحات تشمل الوعد بإغلاق البنك المركزي وإلغاء العملة المحلية لصالح الاعتماد على الدولار الأمريكي.
– لكن الرئيس الجديد خفف من مواقفه الغريبة بشكل كبير منذ فوزه في الانتخابات، ليبدأ في كسب ثقة المستثمرين والأسواق المالية.
– عين “ميلي” رئيسًا سابقًا للبنك المركزي في منصب وزير الاقتصاد، كما أوقف الحديث عن خطط التحول لاستخدام الدولار الأمريكي بدلًا من العملة المحلية “البيزو”.
هل ينجح العلاج بالصدمة؟
– سارع صندوق النقد الدولي بالترحيب بالإجراءات المعلنة في الأرجنتين، معتبرًا أنها تستهدف تحسين المالية العامة وبطريقة تحمي الفئات الأكثر ضعفًا.
– أشار الصندوق الذي يمتلك ديونًا لدى الأرجنتين بقيمة 43 مليار دولار إلى أن التدابير الجديدة قد تعزز نظام الصرف الأجنبي وتساعد على استقرار الاقتصاد وتضع الأساس لنمو أكثر استدامة يقوده القطاع الخاص.
– ألمح صندوق النقد إلى أن خبراء الصندوق والسلطات الأرجنتينية سيعملون على مزيد من المناقشات لإعادة البرنامج الحالي بين الصندوق والدولة اللاتينية إلى المسار الصحيح.
– ترى “شاميلا خان” رئيسة الدخل الثابت للأسواق الناشئة ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ في “يو بي إس” أن الخفض المعلن في سعر صرف البيزو الأرجنتيني تجاوز توقعات الأسواق.
– لكن “خان” شددت على أن التنفيذ سيكون أمرًا أساسياً لتقييم أثر التدابير المالية المعلنة مثل خفض العجز والإنفاق.
– لكن على الجانب الآخر، من شأن خطط خفض الإنفاق الحكومي أن تؤدي إلى عرقلة النمو الاقتصادي في الأرجنتين.
– قال “مارتن كاستيلانو” رئيس أبحاث أمريكا اللاتينية في معهد التمويل الدولي إن ركود اقتصاد الأرجنتين في العام المقبل يبدو أمرا لا مفر منه، متوقعًا أن 2024 سيكون عاما مؤلما للأرجنتينيين.
– كما أشارت شركة الاستشارات الاقتصادية “كابيتال إيكونوميكس” إلى أن التدابير الأخيرة في الأرجنتين سيكون لها تداعيات مؤلمة كبيرة على المدى القريب، ما يشمل تسارع التضخم وانكماش الناتج المحلي الإجمالي.
– لكن الأمر المثير للتساؤلات يتمثل في ما إذا كان الرئيس الجديد قادرًا على تنفيذ خطط خفض العجز المالي بدون دفع البلاد نحو الاضطرابات.
– يعتبر حزب “ميلي” – الائتلاف التحرري – ثالث أكبر كتلة في البرلمان الأرجنتيني، حيث إن لديه تمثيلا محدودا في المجلس التشريعي ولا يسيطر على أي منصب حاكم إقليمي.
– أشارت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني إلى أن خطط تقليص العجز المالي في الأرجنتين ضرورية لكنها ستكون مؤلمة، محذرة من أن الطريق مليء بالمخاطر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
– بينما حذر “فرناندو مارول” مؤسس شركة الاستشارات الاقتصادية “إف إم واي إيه” من أن نقص التفاصيل المتعلقة بخطط خفض الإنفاق يجعل التأثير النهائي للخطط غير واضح.
– لكن “مونيكا دي بول” الزميلة في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي أشارت إلى أن الدعم الشعبي الحالي للرئيس الجديد قد ينتهي مع معاناة الأرجنتينيين من تداعيات خفض سعر الصرف والدعم الحكومي على النقل والكهرباء.
– تعتقد “دي بول” أن خطة “ميلي” ستجعل حياة الناس أسوأ قبل وقت طويل من تحسنها، مع احتمالية وصول التضخم السنوي إلى 300%.