سي نيوز

الأخبار أينما كنت

أخبار

الرياض والقاهرة.. شراكة استراتيجية في سبيل تحقيق تطلعات شعبي البلدين وإقرار الأمن والسلم بالمنطقة

في ذكرى اليوم الوطني السعودي

الرياض والقاهرة.. شراكة استراتيجية في سبيل تحقيق تطلعات شعبي البلدين وإقرار الأمن والسلم بالمنطقة

 

برهنت التحديات الإقليمية القائمة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط على أهمية وحتمية التنسيق السعودي المصري في كافة الملفات، باعتبارها ركيزة أساسية لإقرار الأمن والاستقرار في منطقة تموج بالتحديات والتحولات وتتزايد فيها مخاطر اندلاع الصراعات، وهو الأمر الذي يفرض استمرار العمل على تعزيز قوة ومتانة العلاقات التاريخية التي تجمع قيادتي وشعبي البلدين الشقيقين منذ عقود طويلة.

 

وتشكل ذكرى اليوم الوطني السعودي الذي يوافق الثالث والعشرين من سبتمبر من كل عام، مناسبة للوقوف على أهم المحطات التاريخية التي مرت بها العلاقات السعودية المصرية على مر عقود طويلة شهدت خلالها تلك العلاقات منعرجات وأحداثا سجل فيها شعبي وقيادتي البلدين الشقيقين بحروف من نور مواقف تعكس عمق الروابط والوشائج التي أبت إلا أن تصمد في وجه كل المحن والتحديات، وهي الروابط التي تمت ترجمتها في سجل المواقف بينهما وفي صورة عشرات الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تغطي كافة ملفات التعاون المشترك بين الحكومات المتعاقبة في المملكة ومصر على مر الأزمنة.

 

 

 

التنسيق والتشاور السياسي

 

شهد العام الجاري اجتماعًا أخويًا على مستوى القمة جمع بين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء وشقيقه فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي وذلك خلال آداء الرئيس السيسي لمناسك الحج.

 

ولم تقتصر اللقاءات الثنائية على القمم التي تجمع بين قيادتي البلدين بل امتدت للاجتماعات شبه الدورية التي جمعت صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله بنظيره المصري خلال هذا العام والتي كان أخرها في الرياض حينما حل الدكتور بدر عبدالعاطي وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، ضيفا على الرياض في التاسع عشر من أغسطس الماضي وذلك لبحث عدد من الملفات الإقليمية التي تخص العلاقات الثنائية والدولية محل الاهتمام المشترك، وعلى رأسها الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، حيث تتبنى الرياض والقاهرة مواقف متطابقة إزاء كافة القضايا السياسية والأمنية التي تهم الدولتين وتشغل الإقليم في الوقت الراهن، وتزداد أهمية هذا التنسيق والتشاور مع تصاعد حدة الأزمات والتحديات الأمنية التي تفرض نفسها على العالم ومنطقة الشرق الأوسط بما يُضفي المزيد من الأعباء على الرياض والقاهرة من أجل العمل المشترك على تعزيز الاستقرار والعمل على تهدئة التوترات والأزمات التي تموج بها المنطقة.

 

وترتكز المواقف المشتركة للبلدين على الرفض التام لكافة التدخلات الإقليمية في شئون الدول العربية أياً كان مصدرها، كونها تشكل تهديدًا لاستقلال وسيادة الأراضي العربية وتفكيكا لوحدتها الوطنية. ومن هذا المنطلق تدعم الدولتين بشكل دائم كافة المبادرات السياسية والحلول السلمية لكافة أزمات المنطقة، في سوريا واليمن وليبيا والسودان، وفقا لقرارات مجلس الأمن والمبادرات الاقليمية والمرجعيات ذات الصلة، بما يحافظ على استقرار هذه الدول، ووحدة ترابها الوطني، ويضع مصالحها الوطنية فوق كل الاعتبارات، ويؤسس لحل دائم يكفل الأمن والاستقرار لشعوب هذه الدول، بمعزل عن التدخلات الخارجية.

 

 

 

تنامي مطرد للتعاون التجاري والاستثماري

 

شهد العام الجاري زخمًا كبيرا في ملف التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين الرياض والقاهرة ليضيف المزيد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، حيث تبادل الوزراء والمسؤولين في كلا البلدين الزيارات، والتي كان آخرها الزيارة الهامة التي قام بها دولة رئيس مجلس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي إلى العاصمة السعودية الرياض في الخامس عشر من الشهر الجاري والتي تم الإعلان خلالها عن الاتفاق على تفعيل اتفاقية حماية الاستثمارات السعودية في مصر في غضون الأسابيع المقبلة، فضلا عن توجيه سمو ولي العهد لصندوق الاستثمارات العامة السعودي بضخ استثمارات بقيمة خمسة مليارات دولار في مصر كمرحلة أولى، كما شهدت الزيارة مشاورات بين الجانبين في عدد من الملفات الاقتصادية والاستثمارية محل الاهتمام المشترك، حيث عقد رئيس الوزراء المصري سلسلة اجتماعات مع وزراء الاستثمار والصناعة والتجارة والمالية بالمملكة، كما التقى ممثلي القطاع الخاص السعودي وتم الاتفاق على إطار عام لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين في عدة قطاعات وإزالة كافة معوقات الاستثمار.

 

وفي السابع من شهر سبتمبر الجاري اختتم فريق العمل المعني بمتابعة التوصيات الصادرة عن اجتماعات الدورة السابعة عشرة للجنة السعودية المصرية المشتركة، أعمال اجتماعهم الذي انعقد على مدى يومين، بحضور ومشاركة مسؤولين حكوميين من مختلف القطاعات بالبلدين. وجرى خلال الاجتماع استعراض ومناقشة البنود والتوصيات المتفق عليها لعدد من ملفات التعاون بين البلدين الشقيقين، والجداول الزمنية المقترحة للتنفيذ.

 

وفي شهر يونيو الماضي تم توقيع مذكرتي تفاهم، في مجالات تنمية الصادرات غير البترولية وتطوير صناعة السيارات في شهر يونيو الماضي بين وزارة التجارة والصناعة المصرية، ووزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية، كما استقبلت غرفة القاهرة التجارية في الشهر نفسه وفد مجلس شباب الأعمال بالمملكة العربية السعودية لبحث سبل تعزيز التعاون التجاري والاستثماري المشترك بين البلدين. وناقش الطرفان سبل زيادة التعاون الاقتصادي المشترك خلال المرحلة القادمة بما يصب في صالح الاقتصاد المصري والسعودي.

 

وفي مطلع شهر أغسطس الماضي عقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بمقر الحكومة بمدينة العلمين الجديدة، اجتماعًا مع المهندس خالد الفالح، وزير الاستثمار السعودي، والوفد المرافق له؛ لبحث مجالات التعاون المشترك بين البلدين، بحضور سفير خادم الحرمين الشريفين لدى مصر صالح بن عيد الحصيني.

 

وخلال اللقاء الهام أكد الدكتور مصطفى مدبولي أن حكومتي مصر والمملكة العربية السعودية تعملان خلال الفترة الحالية بشكل جاد على الارتقاء بمعدلات الاستثمارات المشتركة. كما أكد حرص الحكومة على دفع العلاقات الثنائية بين البلدين في جميع المجالات إلى مستويات أكبر، مؤكدًا أن التعاون من أجل زيادة الاستثمارات المشتركة يحتل أولوية بالنسبة للبلدين”.

 

بدوره، ثمّن وزير الاستثمار السعودي اهتمام الدكتور مصطفى مدبولي بملفات المستثمرين السعوديين، كما أكد الفالح أن حكومتي المملكة العربية السعودية ومصر تسعيان للارتقاء بمستوى العلاقات بين البلدين في جميع المجالات.

 

وفي الثالث من مارس الماضي ترأس معالي وزير التجارة رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتجارة الخارجية الدكتور ماجد بن عبدالله القصبي، ومعالي وزير التجارة والصناعة المصري السابق المهندس أحمد سمير، أعمال اللجنة السعودية المصرية المشتركة دورتها الـ18، التي أُقيمت في مدينة الرياض، خلال يومي 3- 4 مارس لعام 2024م، بمشاركة وفدين من القطاع الحكومي للبلدين.

 

واستهدفت الدورة الـ18 العمل بناءً للتوجهات الاستراتيجية بين البلدين، وحل التحديات التي تواجه أعمال اللجنة المشتركة، واعتماد أعمالها، إضافةً إلى عقد الاجتماعات الدورية مع الجهات الداخلية لمتابعة تنفيذ التوصيات، والإشراف على أعمال اللجنة.

 

ووفقا لبيانات وزارة التجارة والصناعة المصرية فقد بلغت معدلات التبادل التجاري السلعي بين البلدين نحو 5.7 مليار دولار عام 2022، مقارنة بنحو 4.6 مليار دولار عام 2021، محققة نسبة زيادة بلغت 23.9 بالمئة.

 

فيما وصل حجم الاستثمارات السعودية في مصر أكثر من 6 مليار دولار وذلك في قطاعات الصناعة والإنشاءات والسياحة والزراعة والخدمات والتمويل والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، كما وصلت قيمة الاستثمارات المصرية في السعودية نحو 1.4 مليار دولار في قطاعات الصناعة والطاقة والمياه والصحة وتجارة التجزئة والتجارة الالكترونية والبتروكيماويات والبترول والغاز والسياحة والاتصالات وتقنية المعلومات والنقل والخدمات اللوجستية والتعدين والخدمات الهندسية.

 

وتتفق حكومتي البلدين على ضرورة تعزيز الشراكة الاقتصادية استثمارياً وتجارياً، ونقلها إلى آفاق أوسع لترقى إلى متانة العلاقة التاريخية والاستراتيجية بينهما عبر تحقيق التكامل بين الفرص المتاحة من خلال رؤية المملكة العربية السعودية 2030 ورؤية جمهورية مصر العربية 2030.

 

كما تسعى كل من الرياض والقاهرة لزيادة وتيرة التعاون الاستثماري والتبادل التجاري وتحفيز الشراكات بين القطاع الخاص في البلدين، وتضافر الجهود لخلق بيئة استثمارية خصبة ومحفزة تدعم عدداً من القطاعات المستهدفة، بما في ذلك السياحة، والطاقة، والرعاية الصحية، والنقل، والخدمات اللوجستية، والاتصالات وتقنية المعلومات، والتطوير العقاري، والزراعة.

 

وتسعى المملكة لتصبح الشريك التجاري الأول لمصر خلال السنوات الخمس المقبلة، حيث يوجد نحو 6285 شركة سعودية تعمل في مصر، بجانب وجود 274 علامة تجارية مصرية، وأكثر من 574 شركة مصرية في الأسواق السعودية.

 

وسبق لمجلس التنسيق السعودي المصري الذي أسسه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، أن أبرم 17 اتفاقية شكلت خارطة طريق للتعاون الاقتصادي بين البلدين، في مجالات الإسكان والبترول والتعليم والزراعة والصحة، شملت اتفاقية لتطوير مستشفى القصر العيني بقيمة 120 مليون دولار، واتفاقية أخرى لتمويل إنشاء محطة كهرباء غرب القاهرة 100 مليون دولار، إلى جانب توقيع 10 اتفاقيات تفاهم لتمويل مشروعات جديدة ضمن برنامج الملك سلمان لتنمية شبه جزيرة سيناء، من بينها تأسيس جامعة الملك سلمان الدولية، وإنشاء 13 تجمعًا زراعيًا في شبه جزيرة سيناء بقيمة 106 مليون دولار، وغيرهما من المشروعات التنموية.

 

 

 

تعزيز التبادل الثقافي والفني والسياحي

 

يعد التراث الثقافي والإنساني المشترك لشعبي المملكة ومصر واحدًا من أهم أركان التقارب بين البلدين، وغنيًا عن البيان أن التعاون على المستوى التراثي والثقافي والإعلامي بين السعودية ومصر يكاد ألا يتوقف، فالمملكة حريصة على الحضور الدائم في الفعاليات الثقافية المصرية مثل معرض القاهرة الدولي للكتاب وغيره من الفعاليات الفنية سواء في دار الأوبرا أو المسارح أو المناسبات الموسيقية والغنائية والمعارض التشكيلية والأمسيات الشعرية، بينما تصدح أصوات فناني ومطربي مصر في سماء المملكة خلال الفعاليات التي تنظمها الهيئة العامة للترفيه، كما تشارك الفرق الفنية المصرية في المهرجانات التي تستضيفها المملكة، فضلا عن الإسهامات في المعارض الفنية والتراثية وسباقات الهجن ومهرجانات التمور التي تنظمها المملكة بشكل دوري.

 

ففي الخامس من شهر فبراير الماضي بحث معالي وزير الإعلام السعودي الأستاذ سلمان بن يوسف الدوسري، خلال زيارته الرسمية إلى جمهورية مصر العربية مع عدد من المسؤولين سبل تعزيز التعاون الإعلامي المشترك القائم بين البلدين الشقيقين حيث استقبله دولة رئيس مجلس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي، في العاصمة الإدارية الجديدة، كما التقى معاليه خلال الزيارة نخبة من القيادات الإعلامية في مصر تلبية لدعوة من رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام كرم جبر حيث تناول اللقاء عدداً من الأفكار والمشروعات التي تهدف إلى تعزيز التعاون الإعلامي القائم بين المملكة ومصر على مختلف المستويات.

 

ومؤخرا كشف المستشار تركي آل الشيخ رئيس الهيئة العامة للترفيه بالمملكة العربية السعودية عن تعاون ضخم ومرتقب بين المملكة ومصر من خلال إقامة عروض مسرحية وحفلات فنية وغنائية ضمن فعاليات موسم الرياض المقرر انطلاقه الشهر المقبل، فيما تستضيف المملكة خلال أيام “ديربي” القاهرة الأعرق في الشرق الأوسط بين ناديي الزمالك المصري والأهلي المصري للتنافس على بطولة كأس السوبر الإفريقية.

 

وتجدر الإشارة إلى أن البيان الختامي لزيارة سمو ولي العهد للقاهرة في يونيو 2022 تضمن تأكيدًا على أهمية التعاون في المجال السياحي وتنمية الحركة السياحية في البلدين، واستكشاف ما يزخر به كل بلد من مقومات سياحية، بالإضافة إلى تعزيز العمل المشترك فيما يخص السياحة المستدامة التي تعود بالنفع على القطاع السياحي وتنميته، وتعزيز التعاون الثقافي بين البلدين والمشاركة في الفعاليات والمعارض الثقافية لكل منهما، وتوحيد الرؤى والتوجهات لدى المنظمات الدولية ذات الصلة بالشأن الثقافي خاصة فيما يتعلق بملفات التراث غير المادي.

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *